بحوث حوارية

حديث المنزلة
1 ـ في المؤاخاة الأُولى :
طبقات ابن سعد 3/24 دار بيروت 1405 هـ .
في المرّة الأُولى التي آخى فيها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بين المهاجرين ، واختار عليّاً ( عليه السلام ) في هذه المؤاخاة لنفسه ، وقال : ( أنتَ مِنّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى إِلاّ أنّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي ) .
2 ـ في يوم المؤاخاة الثّانية :
طبقات ابن سعد 3/24 .
وكانت في المدينة بعد الهجرة بخمسة أشهر ، حيث آخى بين المهاجرين والأنصار ، واصطفى لنفسه منهم عليّاً ، واتّخذَهُ من دونهم أخاه ، وقال له : ( أنتَ مِنِّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى إِلاّ أنّهُ لا نَبِيَّ بِعْدِي ، وأنتَ أخي ووارثي )
3 ـ أُمّ سليم :
التي كانت على جانب من الفضل والعقل ، وكانت تُعدّ من أهل السوابق ، وهي من الدعاة إلى الإِسلام ، واستشهد أبوها وأخوها بين يدي النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وفارقتْ زوجها ؛ لأنّه أبى أنْ يعتنق الإِسلام ، وكان رسولُ الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يزورها في بيتها بين الحين والآخر ويسلّيها ، تروي أُمُّ سليم هذه أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال لها ذات يوم : ( إنّ عليّاً لَحْمُهُ مِن لَحْمِي ، وَدَمُهُ مِنْ دَمِي ، وهو مِنِّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى ) (17) .
4 ـ قال ابن عبّاس :
سمعتُ عمر بن الخطّاب يقول : كُفُّوا عن ذِكْر عليّ بن أبي طالب ، فقد رأيتُ مِن رسولِ الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فيه خصالاً ، لَئِنْ تكون لي واحدة منهنّ في آل الخطّاب أحبَّ إلي ممّا طلعت عليه الشمس ، كنتُ أنا ، وأبو بكر ، وأبو عبيدة ، في نفرٍ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فانتهينا إلى باب أُمِّ سَلَمَة ، وعلي قائم على الباب ، فقلنا : أردنا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ؟ فقال : يخرج إليكم ، فخرج رسولُ الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فَسِرْنا إليه ، فأتَّكَأَ على عليّ بن أبي طالب ، ثمّ ضرب بيده منكبه ، ثمّ قال : ( أنت ( يا علي ) أوّل المؤمنين إيماناً ، وأوّلهم إسلاماً ، وأنتَ مِنّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى ) (18) .
5 ـ روى النسائي في كتاب ( الخصائص ) :
أنّ عليّاً وزيداً وجعفر اختصموا في مَن يكفل ابنةَ حمزة ، وكان كلُّ واحدٍ منهم يريد أنْ يكفلها هو دون غيره ، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لعلى : ( أنتَ مِنّيّ بمنزلةِ هارونَ من موسى ) (19) .
6 ـ روى جابر بن عبد الله :
أنّه عندما أمر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بسدّ جميع أبواب المنازل التي كانت مشرعةً إلى المسجد ، إلاّ باب بيت علي ( عليه السلام ) ، قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( إنّه يحلّ لك في المسجدِ مَا يَحلّ لِي ، وإنّك بمنزلةِ هارونَ مِن موسى ، إِلاّ أنّهُ لا نبيَّ بَعْدِي ) (20) . هذه الموارد الستّة التي هي غير غزوة تبوك ، أخذناها برمّتها من المصادر المعروفة لأهل السنّة ، وإلاّ فإنّ هناك في الرّوايات المرويّة عن طريق الشيعة موارد أُخرى قال فيها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هذه العبارة في شأن علي ( عليه السلام ) أيضاً . من مجموع ذلك يُستفاد ـ بوضوح وجلاء ـ أنّ حديث المنزلة لم يكنْ مختصّاً بغزوة تبوك ، بل هو أمر عام ودائم في شأن علي ( عليه السلام ) . ومِن هنا يتّضح أيضاً أنّ ما تصوّره بعضُ علماء السنّة مثل ( الآمدي ) ـ مِن أَنّ هذا الحديث يتكفّل حكماً خاصّاً في مجال خلافة علي ( عليه السلام ) ، وأنّه يرتبط بظرف غزوة تبوك خاصّةً ، ولا يرتبط بغيره من الظروف والأوقات ـ تصوّرٌ باطلٌ أساساً ؛ لأنّ النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كرّر هذه العبارة في مناسبات متنوّعة ، ممّا يفيد أنّه كان حكماً عامّاً .
7:-حَدِيث اروى بنت الْحَارِث بن عبد الْمطلب
كتاب أخبار الوافدات من النساء على معاوية بن أبي سفيان [ابن بكار]ص 47 رقم الحديث6
وبإلاسناد إلأول عَن عَبَّاس بن بكار قَالَ حَدثنَا عبد الله بن سُلَيْمَان الْمَدِينِيّ عَن قَتَادَة قَالَ دخلت اروى بنت الْحَارِث بن عبد الْمطلب على مُعَاوِيَة وَهِي عَجُوز كَبِيرَة فَلَمَّا راها قَالَ مرْحَبًا بك يَا خَالَة كَيفَ كنت بعدِي قَالَت بِخَير كَيفَ حالك وَكَيف أَنْت يَا ابْن اخي لقد كفرت النِّعْمَة واسات لِابْنِ عمك الصُّحْبَة وتسميت بِغَيْر اسْمك وَأخذت غير حَقك لَا نبْلًا مِنْك وَلَا من أَبِيك فِي دنيا وَلَا سَابِقَة كَأَنْت لكم فِي إلاسلام لَكِن كَفرْتُمْ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسلم فاتعس الله مِنْكُم الجدود واضرع مِنْكُم الخدود ورد الْحق إِلَى أَهله وكأنت كلمتنا الْعليا وَنَبِينَا الْمَنْصُور وَلَو كره الْمُشْركُونَ على من نأوأه فوثبتم علينا من بعده واحتججتم على سَائِر الْعَرَب بقرابتكم من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن اقْربْ إِلَيْهِ من حَبل الوريد واحق بِهَذَا إلامر مِنْكُم فَكُنَّا فِيكُم بِمَنْزِلَة بني اسرائيل فِي ال فِرْعَوْن وَكَانَ سيدنَا مِنْكُم بعد نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى وغايتنا الْجنَّة وغايتكم النَّار فَقَالَ لَهَا عَمْرو بن الْعَاصِ كفى ايتها الْعَجُوز وغضي طرفك واقصري من شَرّ لفظ

ورد الحديث الشريف في اكثر من لفظ
قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام): « أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي »، وقوله في بعض الألفاظ : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسي »، أو « علي منّي بمنزلة هارون من موسي » .
يمتاز هذا الحديث عن كثير من الأحاديث في أنّه حديث أخرجه البخاري ومسلم أيضاً، إلي جنب سائر المحدّثين الذين أخرجوا هذا الحديث الشريف، وهو حديث اتّفق عليه الشيخان باصطلاحهم .
ومن جهة أُخري يستدلّ بهذا الحديث علي إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)من جهات عديدة، لوجود دلالات متعدّدة في هذا الحديث .
لذلك اهتمّ بهذا الحديث علماؤنا منذ قديم الأيام، كما اهتمّ به الآخرون أيضاً في مجال رواية هذا الحديث بأسانيدهم، وفي مجال الجواب عن هذا الحديث بطرقهم المختلفة .
رواة حديث المنزلة

قبل كلّ شيء نذكر أسامي عدة من الصحابة الرواة لهذا الحديث، وأسماء أشهر مشاهير الرواة له، من محدّثين ومفسّرين ومؤرخين في القرون المختلفة .
علي رأس الرواة لهذا الحديث من الصحابة :
1 أمير المؤمنين (عليه السلام) .
ويرويه أيضاً :
2 عبدالله بن العباس .
3 جابر بن عبدالله الأنصاري .
4 عبدالله بن مسعود .
5 سعد بن أبي وقّاص .
6 عمر بن الخطّاب .
7 أبو سعيد الخدري .
8 البراء بن عازب .
9 جابر بن سمرة .
10 أبو هريرة .
11 مالك بن الحويرث .
12 زيد بن أرقم .
13 أبو رافع .
14 حذيفة بن أسيد .
15 أنس بن مالك .
16 عبدالله بن أبي أوفي .
17 أبو أيّوب الأنصاري .
18 عقيل بن أبي طالب .
19 حُبشي بن جنادة .
20 معاوية بن أبي سفيان .
ومن جملة رواة هذا الحديث من الصحابيات :
1 أُم سلمة أُمّ المؤمنين رضي الله عنها .
2 أسماء بنت عميس .
رواة هذا الحديث من الصحابة أكثر من ثلاثين، وربّما يبلغون الأربعين رجل وامرأة .
يقول ابن عبد البر في الإستيعاب عن هذا الحديث : هو من أثبت الأخبار وأصحّها .

قال : وطرق حديث سعد بن أبي وقاص كثيرة جدّاً .
فذكر عدّة من الصحابة الذين رووا هذا الحديث، ثمّ قال : وجماعة يطول ذكرهم .[1]
وهكذا ترون المزي يقول بترجمة أمير المؤمنين (عليه السلام) في تهذيب الكمال .[2]
وذكر الحافظ ابن عساكر بترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق كثيراً من طرق هذا الحديث وأسانيده من عشرين من الصحابة تقريباً .[3]
ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري بعد أن يذكر أسامي عدّة من الصحابة، ويروي نصوص روايات جمع منهم يقول : وقد استوعب طرقه ابن عساكر في ترجمة علي .[4]
فهذا الحديث مضافاً إلي أنّه متواتر عند أصحابنا من الإماميّة، من الأحاديث الصحيحة المعروفة المشهورة عند أهل السنّة، بل هو من الأحاديث المتواترة عندهم كذلك .
يقول الحاكم النيسابوري : هذا حديث دخل في حدّ التواتر.[5]
كما أنّ الحافظ السيوطي أورد هذا الحديث في كتابه الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة،[6] وتبعه الشيخ علي المتقي في كتابه قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة .
وممّن اعترف بتواتر هذا الحديث شاه ولي الله الدهلوي محدّث الهند في كتابه إزالة الخفاء في سيرة الخلفاء .
ولنذكر أسماء عدة من أشهر مشاهير القوم الرواة لهذا الحديث في القرون المختلفة، منهم :
1 محمّد بن إسحاق، صاحب السيرة .

2 سليمان بن داود الطيالسي أبو داود الطيالسي، في مسنده
3 محمّد بن سعد، صاحب الطبقات .
4 أبو بكر ابن أبي شيبة، صاحب المصنف .
5 أحمد بن حنبل، صاحب المسند .
6 البخاري، في صحيحه .
7 مسلم، في صحيحه .
8 ابن ماجة، في صحيحه .
9 أبو حاتم بن حبّان، في صحيحه .
10 الترمذي، في صحيحه .
11 عبدالله بن أحمد بن حنبل، هذا الإمام الكبير الذي ربّما يقدّمه بعضهم علي والده، يروي هذا الحديث في زيادات مسند أحمد وزيادات مناقب أحمد
12 أبو بكر البزّار، صاحب المسند .
13 النسائي، صاحب الصحيح .
14 أبو يعلي الموصلي، صاحب المسند .
15 محمّد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ والتفسير .
16 أبو عوانة، صاحب الصحيح .
17 أبو الشيخ الإصفهاني، صاحب طبقات المحدثين .
18 أبو القاسم الطبراني، صاحب المعاجم الثلاثة .
19 أبو عبدالله الحاكم النيسابوري، صاحب المستدرك علي الصحيحين .
20 أبو بكر الشيرازي، صاحب كتاب الألقاب .
21 أبو بكر بن مردويه الإصفهاني، صاحب التفسير .
22 أبو نعيم الإصفهاني، صاحب حلية الأولياء .
23 أبو القاسم التنوخي، له كتاب في طرق أحاديث المنزلة
24 أبو بكر الخطيب، صاحب تاريخ بغداد .
25 ابن عبد البر، صاحب الإستيعاب .
26 البغوي، الملقّب عندهم بمحي السنّة، صاحب مصابيح السنّة .
27 رزين العبدري، صاحب الجمع بين الصّحاح .
28 ابن عساكر، صاحب تاريخ دمشق .
29 الفخر الرازي، صاحب التفسير الكبير .
30 ابن الأثير الجزري، صاحب جامع الأُصول .
31 أخوه ابن الأثير، صاحب أُسد الغابة .
32 ابن النجّار البغدادي، صاحب تاريخ بغداد .
33 النووي، صاحب شرح صحيح مسلم .
34 أبو العباس محب الدين الطبري، صاحب الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة .
35 ابن سيّد الناس، في سيرته .
36 ابن قيّم الجوزية، في سيرته .
37 اليافعي، صاحب مرآة الجنان .
38 ابن كثير الدمشقي، صاحب التاريخ والتفسير .
39 الخطيب التبريزي، صاحب مشكاة المصابيح .
40 جمال الدين المزّي، صاحب تهذيب الكمال .
41 ابن الشحنة، صاحب التاريخ المعروف .
42 زين الدين العراقي المحدّث المعروف، صاحب المؤلفات، صاحب الألفية في علوم الحديث .
43 ابن حجر العسقلاني، صاحب المؤلفات .
44 السيوطي، صاحب المؤلفات كالدر المنثور وغيره .
45 الدياربكري، صاحب تاريخ الخميس .
46 ابن حجر المكّي، صاحب الصواعق المحرقة .
47 المتقي الهندي، صاحب كنز العمّال .
48 المناوي، صاحب فيض القدير في شرح الجامع الصغير .
49 ولي الله الدهلوي، صاحب المؤلفات ككتاب حجة الله البالغة وإزالة الخفاء .
50 أحمد زيني دحلان، صاحب السيرة الدحلانيّة .
وغير هؤلاء من المحدّثين والمؤرّخين والمفسّرين من مختلف القرون والطبقات .
نصّ حديث المنزلة وتصحيحه
أمّا نصّ الحديث في صحيح البخاري : حدّثنا محمّد بن بشّار ، حدّثنا غندر، حدّثنا شعبة، عن سعد قال : سمعت إبراهيم بن سعد عن أبيه [ أي سعد بن أبي وقّاص ] قال النبي (صلي الله عليه وسلم) لعلي : « أما ترضي أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسي » .[7]
قال : وحدّثنا مسدّد، حدّثنا يحيي ، عن شعبة، عن الحكم، عن مصعب مصعب بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه : إنّ رسول الله (صلي الله عليه وسلم)خرج إلي تبوك فاستخلف عليّاً فقال : أتكلّفني بالصبيان والنساء ؟ قال : « ألا ترضي أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه ليس بعدي نبي » .[8]
وأمّا لفظ مسلم، فإنّه يروي هذا الحديث بأسانيد عديدة لا بسند وسندين :
منها : ما يرويه بسنده عن سعيد بن المسيّب، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه قال : قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم) لعلي : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبي بعدي » .
قال سعيد : فأحببت أنْ أُشافه بها سعداً، فلقيت سعداً فحدّثته بما حدّثني به عامر فقال : أنا سمعته، قلت : أنت سمعته ؟ قال : فوضع إصبعيه علي أُذنيه فقال : نعم، وإلاّ أُستكّتا .[9]
في هذا الحديث، وفي هذا اللفظ نكت يجب الإلتفات إليها .
وبسند آخر في صحيح مسلم : عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أنْ تسبّ أبا التراب ؟ فقال : أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله فلن أسبّه .... فذكر الخصال الثلاث ومنها حديث المنزلة .[10]
فهذا حديث المنزلة في الصحيحين، وأنتم تعلمون بأنّ المشهور بينهم قطعيّة أحاديث الصحيحين، فجمهورهم علي أنّ جميع أحاديث الصحيحين مقطوعة الصدور، ولا مجال للبحث عن أسانيد شيء من تلك الأحاديث، وللتأكّد من ذلك يمكنكم الرجوع إلي كتبهم في علوم الحديث، فراجعوا مثلاً كتاب تدريب الراوي في شرح تقريب النوّاوي للحافظ السيوطي، وبإمكانكم الرجوع إلي شروح ألفيّة الحديث كشرح ابن كثير وشرح زين الدين العراقي وغير ذلك، وحتّي لو راجعتم كتاب علوم الحديث لأبي الصلاح لرأيتم هذا المعني، ويزيد شاه ولي الله الدهلوي في كتاب حجة الله البالغة، وهو كتاب معتبر عندهم ويعتمدون عليه، يزيد الأمر تأكيداً عندما يقول وبعد أنْ يؤكّد علي وقوع الإتفاق علي هذا المعني يقول : اتفقوا علي أنّ كلّ من يهوّن أمرهما [ أي أمر الصحيحين ]فهو مبتدعٌ متبع غير سبيل المؤمنين .
فظهر أنّ من يناقش في سند حديث المنزلة بحكم هذا الكلام الذي ادّعي عليه الاتفاق شاه ولي الله الدهلوي، كلّ من يناقش في سند حديث المنزلة فهو مبتدع متّبع غير سبيل المؤمنين .
وعندما تراجعون كتب الرجال، هناك اتفاق بينهم علي قبول من أخرج له الشيخان، حتّي أنّ بعضهم قال : من أخرجا له فقد جاز القنطرة . بهذه العبارة !
ومن هنا نراهم متي ما أعيتهم السبل في ردّ حديث يتمسّك به الإمامية علي إثبات حقّهم أو علي إبطال باطل، عندما أعيتهم السبل عن الجواب يتذرّعون بعدم إخراج الشيخين لهذا الحديث، ويتّخذون عدم إخراجهما للحديث ذريعة للطعن في ذلك الحديث الذي ليس في صالحهم .
أذكر لكم مثالاً واحداً، وهو حديث : « ستفترق أُمّتي علي ثلاث وسبعين فرقة » ، هذا الحديث بهذا اللفظ غير موجود في الصحيحين، لكنّه موجود في السنن الأربعة، يقول ابن تيميّة في مقام الردّ علي هذا الحديث[11] : الحديث ليس في الصحيحين ولكن قد أورده أهل السنن ورووه في المسانيد كالإمام أحمد وغيره . ومع ذلك لا يوافق علي هذا الحديث متذرّعاً بعدم وجوده في الصحيحين .
إلاّ أنّ الملفت للنظر لكلّ باحث منصف، أنّهم في نفس الوقت الذي يؤكّدون علي قطعيّة صدور أحاديث الصحيحين، ويتخذون إخراج الشيخين للحديث أو عدم إخراجهما للحديث دليلاً وذريعة
ووسيلة لردّ حديث أو قبوله، في نفس الوقت إذا رأوا في الصحيحين حديثاً في صالح الإماميّة يخطّئونه ويردّونه وبكلّ جرأة .
ولذا لو راجعتم إلي كتاب التحفة الإثنا عشرية[12] لوجدتم صاحب التحفة يبطل حديث هجر فاطمة الزهراء أبا بكر وأنّها لم تكلّمه إلي أن ماتت، يبطل هذا الحديث ويردّه مع وجوده في الصحيحين .
وينقل القسطلاني في إرشاد الساري في شرح البخاري،[13] وأيضاً ابن حجر المكي في كتاب الصواعق،[14] ينقلان عن البيهقي أنّه ضعّف حديث الزهري الدال علي أنّ عليّاً (عليه السلام)لم يبايع أبا بكر مدّة ستّة أشهر، فالبيهقي يضعّف هذا الحديث ويحكي غيره كالقسطلاني وابن حجر هذا التضعيف في كتابه، مع أنّ هذا الحديث موجود في الصحيحين .

وقد رأيتم أنّ الحافظ أبا الفرج ابن الجوزي الحنبلي أدرج حديث الثقلين في كتابه العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، مع وجود حديث الثقلين في صحيح مسلم، ومن هنا اعترض عليه غير واحد .
فيظهر : أنّ القضيّة تدور مدار مصالحهم، فمتي ما رأوا الحديث في صالحهم وأنّه ينفعهم في مذاهبهم، اعتمدوا عليه واستندوا إلي وجوده في الصحيحين، ومتي كان الحديث يضرّهم ويهدم أساساً من أُسس مذهبهم ومدرستهم، أبطلوا ذلك الحديث أو ضعّفوه مع وجوده في الصحيحين أو أحدهما، وهذا ليس بصحيح، وليس من دأب أهل العلم وأهل الفضل، وليس من دأب أصحاب الفكر وأصحاب العقيدة الذين يبنون فكرهم وعقيدتهم علي أُسس متينة يلتزمون بها ويلتزمون بلوازمها .
وعندما نصل إلي محاولات القوم في ردّ حديث المنزلة أو المناقشة في سنده، سنري أنّ عدّةً منهم يناقشون في سند هذا الحديث أو يضعّفونه بصراحة، مع وجوده في الصحيحين، فأين راحت قطعية صدور أحاديث الصحيحين ؟ وما المقصود من الإصرار علي هذه القطعية ؟
ونحن أيضاً لا نعتقد بقطعيّة صدور أحاديث الصحيحين، ونحن أيضاً لا نعتقد بوجود كتاب صحيح من أوّله إلي آخره سوي القرآن الكريم .
لكن بحثنا معهم، وإنّما نتكلّم معهم علي ضوء ما يقولون وعلي أساس ما به يصرّحون .
فإذا جاء دور البحث عن سند حديث المنزلة سترون أنّ عدّةً منهم من علماء الأصول ومن علماء الكلام يناقشون في سند حديث المنزلة ولا يسلّمون بصحّته، فيظهر أنّه ليس هناك قاعدة يلجأون إليها دائماً ويلتزمون بها دائماً، وإنّما هي أهواء يرتّبونها بعنوان قواعد، يذكرونها بعنوان أُسس، فيطبّقونها متي ما شاؤا ويتركونها متي ما شاؤا .
ولا بأس بذكر عدة من ألفاظ حديث المنزلة في غير الصحيحين من الكتب المعروفة المشهورة، وفي كلّ لفظ أذكره توجد خصوصية أرجو أنْ لا تفوت عليكم، وأرجو أنْ تتأمّلوا فيها :
في الطبقات لابن سعد، يروي هذا الحديث بطرق، ومنها : بسنده عن سعيد بن المسيّب، هذا نفس الحديث الذي قرأناه في صحيح مسلم، فقارنوا بين لفظه في الطبقات ولفظه في صحيح مسلم يقول سعيد :

قلت لسعد بن مالك هو سعد بن أبي وقّاص : إنّي أُريد أنْ أسألك عن حديث، وأنا أهابك أنْ أسألك عنه ! قال : لا تفعل يا ابن أخي، إذا علمت أنّ عندي علماً فاسألني عنه ولا تهبني ، فقلت : قول رسول الله (صلي الله عليه وسلم) لعلي حين خلّفه في المدينة في غزوة تبوك، فجعل سعد يحدّثه الحديث .[15]
لماذا عندما يريدون أن يسألوا عن حديث يتعلّق بعلي وأهل البيت يهابون الصحابي أن يسألوه، أمّا إذا كان يتعلّق بغيرهم فيسألونه بكلّ انطلاق وبكلّ سهولة وبكلّ ارتياح ؟
ويروي محمّد بن سعد في الطبقات[16] باسناده عن البراء بن عازب وعن زيد بن أرقم قالا :
لمّا كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم)لعلي بن أبي طالب : « إنّه لابدّ أنْ أُقيم أو تقيم » .
يظهر أنّ في المدينة في تلك الظروف حوادث، وهناك محاولات أو مؤامرات سنقرأها في بعض الأحاديث الآتية، وكان

لابدّ أنْ يبقي في المدينة إمّا رسول الله نفسه وإمّا علي ولا ثالث، أحدهما لابدّ أنْ يبقي، وأمّا الغزوة أيضاً فلابدّ وأنْ تتحقّق، فيقول رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)لعلي : « إنّه لابدّ أنْ أُقيم أو تقيم »، فخلّفه .
فلمّا فَصَلَ رسول الله غازياً قال ناس وفي بعض الألفاظ : قال ناس من قريش، وفي بعض الألفاظ : قال بعض المنافقين : ما خلّفه رسول الله (صلي الله عليه وسلم) إلاّ لشيء كرهه منه، فبلغ ذلك عليّاً، فأتبع رسول الله حتّي انتهي إليه، فقال له : « ما جاء بك يا علي ؟ » قال : لا يا رسول الله، إلاّ أنّي سمعت ناساً يزعمون أنّك إنّما خلّفتني لشيء كرهته منّي، فتضاحك رسول الله وقال : « يا علي أما ترضي أن تكون منّي كهارون من موسي إلاّ أنّك لست بنبي ؟ » قال : بلي يا رسول الله، قال : « فإنّه كذلك » .
وفي رواية خصائص النسائي[17] قال الناس : قالوا ملّه، أي ملّ رسول الله عليّاً وكره صحبته .
وفي رواية : قال علي لرسول الله : زعمت قريش أنّك إنّما خلّفتني أنّك استثقلتني وكرهت صحبتي، وبكي علي، فنادي رسول الله في الناس : « ما منكم أحد إلاّ وله خاصة، يابن أبي

27
طالب ، أما ترضي أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبي بعدي ؟ » قال علي : رضيت عن الله عزّوجلّ وعن رسوله .
وإذا راجعتم سيرة ابن سيّد الناس،[18] وكذا سيرة ابن قيّم الجوزية،[19] وسيرة ابن إسحاق،[20] وأيضاً في بعض المصادر الأُخري : إنّ الذين قالوا ذلك كانوا رجالاً من المنافقين، ففي بعض الألفاظ : الناس، وفي بعض الألفاظ : قريش، وفي بعض الألفاظ : المنافقون، ومن هنا يظهر أنّ في قريش أيضاً منافقين، وهذا مطلب مهم .
وفي المعجم الأوسط للطبراني عن علي (عليه السلام) : إنّ النبي قال له : « خلّفتك أنْ تكون خليفتي »، قلت : أتخلّف عنك يا رسول الله ؟ قال : « ألا ترضي أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبي بعدي » .[21]

ففيه : « خلّفتك أنْ تكون خليفتي » .
وروي السيوطي في جامعه الكبير[22] عن كتب جمع منهم : ابن النجار البغدادي، وأبو بكر الشيرازي في الألقاب، والحاكم النيسابوري في كتابه الكني، والحسن بن بدر الذي هو من كبار الحفّاظ في كتابه ما رواه الخلفاء، هؤلاء يروون عن ابن عباس قال : قال عمر بن الخطّاب : كفّوا عن ذكر علي بن أبي طالب [ لماذا كانوا يذكرون عليّاً وبم كانوا يذكرونه ؟ حتّي نهاهم عمر عن ذكره ؟ أكانوا يذكرونه بالخير وينهاهم ؟ قائلاً : كفّوا عن ذكر علي بن أبي طالب ] فإنّي سمعت رسول الله (صلي الله عليه وسلم) يقول في علي ثلاث خصال لو كان لي واحدة منهنّ كان أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس .
كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح [ هؤلاء الثلاثة هم أصحاب السقيفة من المهاجرين ] ونفر من أصحاب النبي، وهو متّكيء [ أي النبي ] علي علي بن أبي طالب، حتّي ضرب بيده علي منكبيه ثمّ قال : « يا علي أنت أوّل المؤمنين إيماناً وأوّلهم إسلاماً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسي، وكذب من زعم أنّه يحبّني ويبغضك » .


وفي تاريخ ابن كثير[23] : « أو ما ترضي أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ النبوّة » .
وفرق بين عبارة « إلاّ النبوّة » وبين عبارة « إلاّ أنّك لست بنبي » و « إلاّ أنّه لا نبي بعدي » فرق كثير بين العبارتين، يقول ابن كثير : إسناده صحيح ولم يخرجوه .
وفي تاريخ ابن كثير أيضاً[24] في حديث معاوية وسعد : إنّ معاوية وقع في علي فشتمه [ بنصّ العبارة ] فقال سعد : والله لأنْ تكون لي إحدي خلاله الثلاث أحبّ إليّ ممّا يكون لي ما طلعت عليه الشمس ...، فيذكر منها حديث المنزلة .
إلاّ أن الزرندي الحافظ يذكر نفس الحديث يقول : عن سعد : إنّ بعض الأُمراء قال له : ما منعك أنْ تسبّ أبا تراب .[25]
فأراد أنْ لا يذكر اسم معاوية محاولةً لحفظ ماء وجهه وماء وجههم .

وفي تاريخ دمشق والصواعق المحرقة وغيرهما : إنّ رجلاً سأل معاوية عن مسألة فقال : سل عنها عليّاً فهو أعلم، قال الرجل : جوابك فيها أحبّ إليّ من جواب علي، قال معاوية : بئس ما قلت، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله (صلي الله عليه وسلم) يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبي بعدي »، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه .[26]
وتلاحظون أنّ في كلّ لفظ من هذه الألفاظ التي انتخبتها خصوصية، لابدّ من النظر إليها بعين الدقّة والإعتبار .
وانتهت الجهة الأُولي، أي جهة البحث عن السند والرواة .


دلالات حديث المنزلة

الجهة الثانية : في دلالات حديث المنزلة، وكما أشرنا من
قبل ، دلالات حديث المنزلة متعددة، وكلّ واحدة منها تكفي لأن تكون بوحدها دليلاً علي إمامة أمير المؤمنين .
قبل كلّ شيء لابدّ أنْ نري ما هي منازل هارون من موسي حتّي يكون علي نازلاً من النبي منزلة هارون من موسي، لنرجع إلي القرآن الكريم ونستفيد من الآيات المباركات منازل لهارون :

المنزلة الأُولي : النبوّة
قال تعالي : ( وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ) .[27]

المنزلة الثانية : الوزارة
قال تعالي عن لسان موسي : ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي
هَارُونَ أَخِي )،[28] وفي سورة الفرقان قال تعالي : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَي الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً )، وفي سورة القصص عن لسان موسي : ( وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي ) .


المنزلة الثالثة : الخلافة
قال تعالي : ( وَقَالَ مُوسَي لاَِخِيه هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي
وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) .[29]

المنزلة الرابعة : القرابة القريبة
قال تعالي عن لسان موسي : ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي
هَارُونَ أَخِي اشْدُد بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ).[30]
ورسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يخبر في حديث المنزلة عن ثبوت جميع هذه المنازل القرآنية لهارون وغيرها كما سنقرأ، عن ثبوتها جميعاً لعلي ما عدا النبوة، لقد أخرج رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)النبوة بعد شمول تلك الكلمة التي أطلقها، هي تشمل النبوة إلاّ أنّه أخرجها واستثناها استثناءً، لقيام الضرورة علي أنْ لا نبي بعده (صلي الله عليه وآله وسلم)، ويبقي غير هذه المنزلة باقياً وثابتاً لعلي (عليه السلام)، وبيان ذلك :



إنّ عليّاً (عليه السلام) وإنْ لم يكن بنبي، وهذا هو الفارق الوحيد بينه وبين هارون في المراتب والمقامات والمنازل المعنوية الثابتة لهارون، وإنْ لم يكن بنبي، إلاّ أنّه (عليه السلام) يعرّف نفسه ويذكر بعض خصائصه وأوصافه في الخطبة القاصعة، نقرأ في نهج البلاغة يقول (عليه السلام) :
« ولقد علمتم موضعي من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يَضمّني إلي صدره ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبة بقول ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن الله به (صلي الله عليه وآله وسلم) من لدن أنْ كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالَم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه عَلَما، ويأمرني بالإقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما » .
لاحظوا هذه الكلمة : « أري نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه، فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنّة ؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته » .


ثمّ لاحظوا ماذا يقول الرسول لعلي : « إنّك تسمع ما أسمع وتري ما أري، إلاّ أنّك لست بنبي ولكنّك وزير، وإنّك لعلي خير » .[31]
أرجو الإنتباه إلي ما أقول، لتروا كيف تتطابق الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة وكلام علي في الخطبة القاصعة، إنّ عليّاً وإنْ لم يكن بنبي لكنّه رأي نور الوحي والرسالة وشمّ ريح النبوّة .
أترون أنّ هذا المقام وهذه المنزلة تعادلها منازل جميع الصحابة من أوّلهم إلي آخرهم في المنازل الثابتة لهم ؟ تلك المنازل لو وضعت في كفّة ميزان، ووضعت هذه المنزلة في كفّة، أترون أنّ تلك المنازل كلّها وتلك المناقب، تعادل هذه المنقبة الواحدة ؟ فكيف وأنْ يُدّعي أنّ شيئاً من تلك المناقب المزعومة يترجّح علي هذه المنقبة ؟
علي لم يكن بنبي، لكنّه شمّ ريح النبوّة، لكنْ ما معني هذه الكلمة بالدقّة، لا نتوصّل إلي معناها، وعقولنا قاصرة عن درك هذه الحقيقة، لم يكن بنبي إلاّ أنّه شمّ ريح النبوّة، وأيضاً : لم يكن علي


نبيّاً إلاّ أنّه كان وزيراً، لمن ؟ لرسول الله الذي هو أشرف الأنبياء وخير المرسلين وأكرمهم وأعظمهم وأقربهم إلي الله سبحانه وتعالي ، وأين هذه المرتبة من مرتبة هارون بالنسبة إلي موسي الذي طلب أن يكون هارون وزيراً له، إلاّ أنّ كلامنا الآن في دوران الأمر بين علي وأبي بكر .
ومن الأحاديث الشاهدة بوزارة علي (عليه السلام) لرسول الله، الحديث الذي ذكرناه في يوم الدار، يوم الإنذار، حيث قال : « فأيّكم يوآزرني علي أمري هذا ؟ » قال علي : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فقال : « إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا » .[32]
وفي رواية الحلبي في سيرته : « إجلس، فأنت أخي ووزيري ووصيّي ووارثي وخليفتي من بعدي » .[33]
وفي تاريخ دمشق، وفي المرقاة، وفي الدر المنثور، وفي الرياض النضرة، يروون عن ابن مردويه وعن ابن عساكر وعن



الخطيب البغدادي وغيرهم، عن أسماء بنت عميس قالت : سمعت رسول الله (صلي الله عليه وسلم) يقول : « اللهمّ إنّي أقول كما قال أخي موسي : اللهمّ اجعل لي وزيراً من أهلي أخي عليّاً، اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبّحك كثيراً ونذكرك كثيراً، إنّك كنت بنا بصيراً ».[34]
وأيضاً، هذه دلالات حديث المنزلة، لاحظوا كيف تتطابق الآيات والروايات وكلام علي بالذات ؟
إنّ لعلي (عليه السلام) موضعاً من رسول الله يقول : « قد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة »، هذه القرابة القريبة في قصّة موسي وهارون قول موسي : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي )، ومن هنا سيأتي أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد ذكر حديث المنزلة في قصة المؤاخاة بينه وبين علي عليهما الصلاة والسلام .
مضافاً إلي قوله تعالي : ( وَأُولُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي بِبَعْض فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ) .[35]

فإنّ الأوصاف الثلاثة هذه أي الإيمان والهجرة وكونه ذا رحم لا تنطبق إلاّ علي علي، فيظهر أنّ القرابة القريبة هي جزء من مقوّمات الخلافة والولاية بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) .
وقد ذكر الفخر الرازي بتفسير الآية المذكورة استدلال محمّد ابن عبدالله بن الحسن بن الحسن المجتبي (عليه السلام) بالآية المباركة هذه، في كتاب له إلي المنصور العباسي، استدلّ بهذه الآية علي ثبوت الأولوية لعلي، وأجابه المنصور بأنّ العباس أولي بالنبي من علي، لأنّه عمّه وعلي ابن عمّه، ووافق الفخر الرازي الذي ليس من العباسيين، وافق العباسيين في دعواهم هذه، لا حبّاً للعباسيين، وإنّما ؟
والفخر الرازي نفسه يعلم بأنّ العباس عمّ النبي، ولكن العباس ليس من المهاجرين، إذ لا هجرة بعد الفتح، فكان علي هو المؤمن المهاجر ذا الرحم، ولو فرضنا أنّ في الصحابة غير علي من هو مؤمن ومهاجر، والإنصاف وجود كثيرين منهم كذلك، إلاّ أنّهم لم يكونوا بذي رحم، ويبقي العباس وقد عرفتم أنّه ليس من المهاجرين، فلا تنطبق الآية إلاّ علي علي .
وهذا وجه استدلال محمّد بن عبدالله بن الحسن في كتابه إلي المنصور، وقد كان الرجل عالماً فاضلاً عارفاً بالقرآن الكريم،



والفخر الرازي في هذا الموضع يوافق العباسيين و المنصور العباسي، ويخالف الهاشميين والعلويين حتّي لا يمكن بزعمه الاستدلال بالآية علي إمامة علي أمير المؤمنين .
فقوله تعالي : ( وَأُولُوا الاَْرْحَامِ ) دليل آخر علي إمامة علي، ومن هنا يظهر : أنّ استدلال علي (عليه السلام) وذكره القرابة القريبة كانت إشارة إلي ما في هذه الناحية من الدخل في مسألة الإمامة والولاية .
مضافاً إلي أنّ العباس قد بايع عليّاً (عليه السلام) في الغدير وبقي علي بيعته تلك، ولم يبايع غير أمير المؤمنين، بل في قضايا السقيفة جاء إلي علي، وطلب منه تجديد البيعة، فيسقط العباس عن الإستحقاق للإمامة والخلافة بعد رسول الله، ولو تتذكرون، ذكرت لكم في الليلة الأُولي أنّ هناك قولاً بإمامة العباس، لكنّه قول لا يستحق الذكر والبحث عنه عديم الجدوي .

ومن منازل هارون :
أعلميّته بعد موسي من جميع بني إسرائيل ومن كلّ تلك
الأُمّة، وقد ثبتت المنزلة هذه بمقتضي تنزيل علي منه بمنزلة هارون من موسي لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وإلي الأعلميّة هذه يشير علي (عليه السلام)في الأوصاف التي ذكرها لنفسه في هذه الخطبة وفي غير هذه الخطبة .


في هذه الخطبة يقول : « كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالإقتداء به » .
ويقول (عليه السلام) في خطبة أُخري بعد أنْ يذكر العلم بالغيب يقول : « فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلاّ الله، وما سوي ذلك [ أي ما سوي ما اختصّ به سبحانه وتعالي لنفسه ] فعلم علّمه الله نبيّه، فعلّمنيه ودعا لي بأنْ يعيه صدري وتضْطَمّ عليه جوانحي » .
وأيضاً : تظهر أعلميّته (عليه السلام)من قوله في نفس هذه الخطبة عن رسول الله حيث خاطبه بقوله : « إنّك تسمع ما أسمع وتري ما أري » .
وأيضاً : رسول الله يقول في علي : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها » .
هذا الحديث هو الآخر من الأحاديث الدالة علي إمامة أمير المؤمنين سلام الله عليه، وكان ينبغي أن نخصّص ليلة للبحث عن هذا الحديث الشريف، لنتعرّض هناك عن أسانيده ودلالاته، ولنتعرّض أيضاً لمحاولات القوم في ردّه وإبطاله، وما ارتكبوه من الكذب والدسّ والتزوير والتحريف .
أمّا ثبوت الأعلميّة لهارون بعد موسي، فلو أردتم، فراجعوا



التفاسير في قوله تعالي : ( قَالَ إِنَّمَا أُوْتِيتُهُ عَلَي عِلْم عِنْدِي )[36] عن لسان قارون، في ذيل هذه الآية، تجدون التصريح بأعلميّة هارون من جميع بني إسرائيل إلاّ موسي، فراجعوا تفسيرالبغوي،[37] وراجعوا تفسير الجلالين،[38] وغير هذين من التفاسير .

من دلالات حديث المنزلة العصمة :
وهل من شك في ثبوت العصمة لهارون ؟ وقد نزّل رسول
الله أمير المؤمنين منزلة هارون، ولم يدّع أحد من الصحابة العصمة، كما لم يدّعها أحد لواحد من الصحابة، سوي أمير المؤمنين (عليه السلام) .
وحينئذ هل يجوّز عاقل أن يكون الإمام بعد رسول الله غير معصوم مع وجود المعصوم ؟
وهل يجوّز العقل أنْ يجعل غير المعصوم واسطة بين الخلق والخالق مع وجودالمعصوم ؟



وهل يجوز عقلاً وعقلاءاً الإقتداء بغير المعصوم مع وجود المعصوم ؟
وإلي مقام العصمة يشير علي (عليه السلام) عندما يقول ويصرّح بأنّه كان يري نور الوحي والرسالة ويشمّ ريح النبوة .
وهل يعقل أن يترك مثل هذا الشخص ويقتدي بمن ليس له أقلّ قليل من هذه المنزلة ؟
ولا يخفي عليكم أنّ الذي كان يسمعه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأنّ الذي كان يراه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، هو أسمي وأجلّ وأرقي وأرفع ممّا كان يراه ويسمعه غيره من الأنبياء السابقين عليه، فكان علي يسمع ويري ما يسمع ويري النبي، وعليكم بالتأمّل التام في هذا الكلام .

من خصائص هارون ومنازله :
أنّ الله سبحانه وتعالي أحلّ له ما لم يكن حلالاً لغيره في
المسجد الأقصي، وبحكم حديث المنزلة يتمّ هذا الأمر لعلي وأهل بيته بالخصوص، ويكون هذا من جملة ما يختصّ بأمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين ويميّزهم عن الآخرين، فيكونون أفضل من هذه الناحية أيضاً من غيرهم .

42
والشواهد لهذا الحديث ولهذا التنزيل في الأحاديث كثيرة، ومن ذلك : حديث سدّ الأبواب، وهذه ألفاظ تتعلّق بهذا الموضوع في السنّة النبويّة الشريفة المتفق عليها بين الفريقين، وأنا أنقل لكم من بعض المصادر المعتبرة عند أهل السنّة :
أخرج ابن عساكر في تاريخه، وعنه السيوطي في الدرّ المنثور[39] : إنّ رسول الله (صلي الله عليه وسلم)خطب فقال : « إنّ الله أمر موسي وهارون أن يتبوّءا لقومهما بيوتاً، وأمرهما أنْ لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقربوا فيه النساء، إلاّ هارون وذريّته، ولا يحلّ لأحد أن يقرب النساء في مسجدي هذا ولا يبيت فيه جنب إلاّ علي وذريّته » .
وفي مجمع الزوائد عن علي (عليه السلام) قال : أخذ رسول الله (صلي الله عليه وسلم)بيدي فقال : « إنّ موسي سأل ربّه أنْ يطهّر مسجده بهارون، وإنّي سألت ربّي أنْ يطهّر مسجدي بك وبذريّتك »، ثمّ أرسل إلي أبي بكر أنْ سدّ بابك، فاسترجع [ أي قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ]ثمّ قال :


سمعٌ وطاعة، فسدّ بابه، ثمّ أرسل إلي عمر، ثمّ أرسل إلي العباس بمثل ذلك، ثمّ قال رسول الله : « ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي، ولكن الله فتح باب علي وسدّ أبوابكم » .[40]
وفي مجمع الزوائد وكنز العمال وغيرهما واللفظ للأوّل : لمّا أخرج أهل المسجد وترك عليّاً قال الناس في ذلك [ أي تكلّموا في ذلك واعترضوا ] فبلغ النبي (صلي الله عليه وسلم) فقال : « ما أنا أخرجتكم من قبل نفسي، ولا أنا تركته، ولكنّ الله أخرجكم وتركه، إنّما أنا عبد مأمور ، ما أُمرت به فعلت، إنّ أتّبع إلاّ ما يوحي إليّ » .[41]
وفي كتاب المناقب لأحمد بن حنبل، وكذا في المسند، وفي المستدرك للحاكم، وفي مجمع الزوائد، وتاريخ دمشق، وغيرها[42] عن زيد بن أرقم قال : كانت لنفر من أصحاب رسول الله


أبواب شارعة في المسجد، فقال يوماً : « سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب علي »، قال : فتكلّم في ذلك ناسٌ، فقام رسول الله (صلي الله عليه وسلم) فحمد الله وأثني عليه ثمّ قال : « أمّا بعد، فإنّي أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب علي، فقال فيه قائلكم، والله ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكن أُمرت بشيء فاتّبعته » .
وهذا الحديث موجود في صحيح الترمذي، وفي الخصائص للنسائي،[43] وغيرهما من المصادر أيضاً .
ولذا كانت قضية سدّ الأبواب من جملة موارد قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) : « علي منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبي بعدي » .
وإلي الآن ظهرت دلالة حديث المنزلة علي إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) :
من جهة ثبوت العصمة له .
ومن جهة ثبوت الأفضلية له .
ومن جهة ثبوت بعض الخصائص الأُخري الثابثة لهارون .


دلالة حديث المنزلة
علي خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام)

ننتقل الآن إلي دلالة هذا الحديث علي خصوص الخلافة والولاية ، فيكون نصّاً في المدّعي .
ولا ريب في أنّ من منازل هارون : خلافته عن موسي (عليه السلام)، قال تعالي عن لسان موسي يخاطب هارون : ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) .[44]
فكان هارون خليفة لموسي ، وعلي بحكم حديث المنزلة خليفة لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فيكون هذا الحديث نصّاً في الخلافة والإمامة والولاية بعد رسول الله .


ومن جملة آثار هذه الخلافة : وجوب الطاعة المطلقة، ووجوب الإنقياد المطلق، والطاعة المطلقة والإنقياد المطلق يستلزمان الإمامة والولاية العامة .
ولا يتوهمنّ أحدٌ بأنّ وجوب إطاعة هارون ووجوب الإنقياد المطلق له كان من آثار وأحكام نبوّته، لا من آثار وأحكام خلافته عن موسي، حتّي لا تجب الإطاعة المطلقة لعلي، لأنّه لم يكن نبيّاً .
هذا التوهم باطل ومردود، وإنْ وقع في بعض الكتب من بعض علمائهم، وذلك لأنّ وجوب الإطاعة المطلقة إنْ كان من آثار النبوّة لا من آثار الخلافة، إذن لم يثبت وجوب الإطاعة للمشايخ الثلاثة، لأنّهم لم يكونوا أنبياء، وأيضاً : لم يثبت وجوب الإطاعة المطلقة لعلي في المرتبة الرابعة التي يقولون بها له (عليه السلام)، إذ ليس حينئذ نبيّاً، بل هو خليفة .
فإذن، وجوب الإطاعة لهارون كان بحكم خلافته عن موسي لا بحكم نبوّته، وحينئذ تجب الإطاعة المطلقة لعلي (عليه السلام)بحكم خلافته عن رسول الله، وبحكم تنزيله من رسول الله منزلة هارون من موسي . فالمناقشة من هذه الناحية مردودة .
وإذا ما رجعنا إلي الكتب المعنيّة بمثل هذه البحوث، لرأينا تصريح علمائهم بدلالة حديث المنزلة علي خلافة علي (عليه السلام).


فراجعوا مثلاً كتاب التحفة الإثنا عشرية الذي ألّفه مؤلّفه ردّاً علي الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، فإنّه يعترف هناك بدلالة حديث المنزلة علي الخلافة، بل يضيف أنّ إنكار هذه الدلالة لا يكون إلاّ من ناصبي ولا يرتضي ذلك أهل السنة .
إنّما الكلام في ثبوت هذه الخلافة بعد رسول الله بلا فصل، أمّا أصل ثبوت الخلافة لأمير المؤمنين بعد رسول الله بحكم هذا الحديث فلا يقبل الإنكار، إلاّ إذا كان من النواصب المعاندين لأمير المؤمنين (عليه السلام)، كما نصّ علي ذلك صاحب التحفة الإثنا عشرية .
يقول صاحب التحفة هذا الكلام ويعترف بهذا المقدار من الدلالة .
إلاّ أنّك لو راجعت كتب الحديث وشروح الحديث لرأيتهم يناقشون حتّي في أصل دلالة حديث المنزلة علي الخلافة والولاية بعد رسول الله، أي تري في كتبهم ما ينسبه صاحب التحفة إلي النواصب، ويقولون بما يقوله النواصب .
فراجعوا مثلاً شرح حديث المنزلة في كتاب فتح الباري لابن حجر العسقلاني الحافظ، وشرح صحيح مسلم للحافظ النووي،

والمرقاة في شرح المشكاة، تجدوهم في شرح حديث المنزلة يناقشون في دلالة هذا الحديث علي أصل الإمامة والولاية، وهذا ما كان صاحب التحفة ينفيه عن أهل السنّة وينسبه إلي النواصب .
أقرأ لكم عبارة النووي في شرح صحيح مسلم، ونفس العبارة أو قريب منها موجود في الكتب التي أشرت إليها وغيرها أيضاً من الكتب، يقول النووي[45] : وليس فيه [ أي في هذا الحديث ] دلالة لاستخلافه [ أي استخلاف علي ] بعده [ أي بعد الرسول ]، لأنّ النبي (صلي الله عليه وسلم) إنّما قال لعلي حين استخلفه علي المدينة في غزوة تبوك [ أي إنّ هذا الحديث وارد في مورد خاص ] .
يقول : ويؤيّد هذا أنّ هارون المشبّه به لم يكن خليفة بعد موسي، بل توفي في حياة موسي قبل وفاة موسي بنحو أربعين سنة علي ما هو المشهور عند أهل الأخبار والقصص، قالوا : وإنّما استخلفه أي استخلف موسي هارون حين ذهب لميقات ربّه للمناجاة، فكانت الخلافة هذه خلافة موقتة، وكانت في قضية خاصة محدودة، وليس فيها أي دلالة علي الخلافة بالمعني المتنازع فيه أصلاً .


وهل هذا إلاّ كلام النواصب الذي يأبي أن يلتزم به مثل صاحب التحفة، فينسبه إلي النواصب ؟
وأمّا ما يقوله ابن تيميّة وغير ابن تيميّة من أصحاب الردود علي الشيعة الإماميّة، فسنذكر مقاطع من عباراتهم، لتعرفوا من هو الناصبي، وتعرفوا النواصب أكثر وأكثر .
وإلي هنا بيّنا وجه دلالة حديث المنزلة علي الخلافة والإمامة والولاية بعد رسول الله بالنص، وأنّ صاحب التحفة لا ينكر هذه الدلالة، وإنّما يقول بأنّ الدلالة علي الإمامة بلا فصل أوّل الكلام، لأن النزاع والكلام في دلالة الحديث علي الإمامة بعد رسول الله مباشرة .


محاولات القوم في ردّ حديث المنزلة

وحينئذ ندخل في الجهة الثالثة من جهات بحثنا عن حديث
المنزلة، أي في المناقشات العلمية، وفي محاولات القوم في ردّ هذا الحديث وإبطاله .

أوّلاً : المناقشات العلمية
ونحن علي استعداد تام لقبول أيّ مناقشة إنْ كانت مناقشة
علمية، وعلي أُسس علمية وقواعد مقرّرة في كيفيّة البحث والمناظرة، ويتلخّص ما ذكروه في مقام المناقشة في دلالة هذا الحديث في المناقشات الثلاثة التالية :

المناقشة الأُولي :
إنّ هذا الحديث لا يدلّ علي عموم المنزلة، وحينئذ تتمّ
المشابهة بين علي وهارون بوجه شبه واحد، ويكفي ذلك في صحّة الحديث، أمّا أنْ يكون علي نازلاً من رسول الله منزلة هارون من موسي بجميع منازل هارون فلا نوافق علي هذا .


المناقشة الثانية :
إنّ هذه الخلافة كانت خلافة موقتةً في ظرف خاص ، وزمان محدود، وفي حياة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، كما كانت خلافة هارون عن موسي في حياة موسي عندما ذهب لمناجاة ربّه، وكانت تلك الخلافة أيضاً في حياة موسي، ويؤيّد ذلك موت هارون في حياة موسي، فأين الخلافة بالمعني المتنازع فيه ؟

المناقشة الثالثة :
إنّ حديث المنزلة إنّما ورد في خصوص غزوة تبوك، وإنّ
رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)قال هذا الكلام عندما خرج في غزوة تبوك وترك عليّاً ليقوم بشؤون أهله وعياله ومن بقي في المدينة المنوّرة، فالقضيّة خاصة وحديث المنزلة إنّما ورد في هذه القضية المعيّنة .
ولابدّ من الإجابة عن هذه المناقشات واحدة واحدة :

الجواب عن المناقشة الأُولي :
والمناقشة الأُولي كانت تتلخّص في نفي عموم المنزلة ، فنقول في الجواب : بأنّ الحديث يشتمل علي لفظ وهو اسم جنس مضاف إلي عَلَم قال : « أنت منّي بمنزلة هارون »، فكلمة المنزلة اسم جنس مضاف إلي علم وهو هارون، ثمّ يشتمل الحديث علي استثناء « إلاّ أنّه لا نبي بعدي »، فالكلام مشتمل علي اسم جنس مضاف إلي علم، ومشتمل علي استثناء باللفظ الذي ذكرناه، هذا متن الحديث .


ولو رجعنا إلي كتب علم أُصول الفقه، ولو رجعنا إلي كتب علم البلاغة وكتب الأدب، لوجدناهم ينصّون علي أنّ الإستثناء معيار العموم، وينصّون علي أنّ من ألفاظ العموم اسم الجنس المضاف، فأي مجال للمناقشة ؟ اسم الجنس المضاف « بمنزلة هارون » من صيغ العموم، والإستثناء أيضاً معيار العموم ، فيكون الحديث نصّاً في العموم، إذْ ليس في الحديث لفظ آخر، فلفظه : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبي بعدي »، وحينئذ يسقط الإشكال وتبطل المناقشة .
وهذه عبارة ابن الحاجب الذي هو من أئمّة علم الأُصول ومن أئمّة علم النحو والصرف وعلوم الأدب، يقول في كتاب مختصر الأُصول وهو المتن الذي كتبوا عليه الشروح والتعاليق الكثيرة، وكان المتن الذي يدرّس في الحوزات العلمية : ثمّ إنّ الصيغة الموضوعة له أي للعموم عند المحققين هي هذه : أسماء الشرط والإستفهام، الموصولات، الجموع المعرفة تعريف جنس لا عهد، واسم الجنس معرفاً تعريف جنس أو مضافاً[46] .


وإن شئتم أكثر من هذا، فراجعوا كتابه الكافية في علم النحو بشرح المحقق الجامي المسمّي ب ( الفوائد الضيائيّة )، وهو أيضاً كان من الكتب الدراسيّة إلي هذه الأواخر .
وراجعوا من كتب الأُصول أيضاً كتاب المنهاج للقاضي البيضاوي وشروحه .
وأيضاً راجعوا فواتح الرحموت في شرح مسلّم الثبوت، الذي هو من كتب علم أُصول الفقه المعتبرة المشهورة عند القوم
وراجعوا من الكتب الأدبية كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي .
وراجعوا من كتب علم البلاغة المطوّل في شرح التلخيص ومختصر المعاني في شرح التلخيص للتفتازاني، هذين الكتابين اللذين يدرّسان في الحوزات العلمية .
وهكذا غير هذه الكتب المعنية بعلم أُصول الفقه وعلم النحو والبلاغة .
وأمّا الإستثناء، فقد نصّ أئمّة علم أُصول الفقه كذلك كما في كتاب منهاج الوصول إلي علم الأُصول للقاضي البيضاوي، وفي شروحه أيضاً، كشرح ابن إمام الكاملية وغير هذا من الشروح، كلّهم ينصّون علي هذه العبارة يقولون : معيار العموم الإستثناء .


فكلّ ما صحّ الإستثناء منه ممّا لا حصر فيه فهو عام، والحديث يشتمل علي الإستثناء .
وقد يقال : لابدّ من رفع اليد عن العموم، بقرينة اختصاص حديث المنزلة بغزوة تبوك، وإذا قامت القرينة أو قام المخصص سقط اللفظ عن الدلالة علي العموم، فيكون الحديث دالاًّ علي استخلافه ليكون متولّياً شؤون الصبيان والنساء والعجزة بتعبير ابن تيميّة الباقين في المدينة المنوّرة لا أكثر من هذا .
لكن يردّ هذا الإشكال وهذه الدعوي، ورود حديث المنزلة في غير تبوك، كما سنقرأ .
وقد يقال أيضاً : إنّ الإستثناء إنّما يدلّ علي العموم إنْ كان استثناء متّصلاً، وهذا الإستثناء منقطع، لأنّ الجملة المستثناة جملة خبرية، ولا يمكن أنْ تكون الجملة الخبرية استثناؤها استثناءً متصلاً .
وهذه بحوث علمية لابدّ وأنّكم مطّلعون علي هذه البحوث، وهذا وجه للإشكال وجيه، ذكره صاحب التحفة الإثنا عشرية،[47] فإنْ تمّ سقط الإستدلال بعموم الإستثناء .


ولكن عندما نراجع ألفاظ الحديث نجد فيها مجيء كلمة « النبوّة » مستثناة بعد « إلاّ »، وليس هناك جملة خبرية، وسند هذا الحديث أو هذه الأحاديث سند معتبر، وممّن نصّ علي صحّة سند الحديث بهذا اللفظ : ابن كثير الدمشقي في كتابه في التاريخ البداية والنهاية .[48]
علي أنّ من المقرّر عندهم في علم الأُصول وفي علم البلاغة أيضاً : إنّ الأصل في الإستثناء هو الإتّصال، ولا ترفع اليد عن هذا الأصل إلاّ بدليل، إلاّ بقرينة، وأراد صاحب التحفة أن يجعل الجملة الخبرية المستثناة قرينة، وقد أجبنا عن ذلك بمجيء المستثني إسماً لا جملة خبريّة .
ولو أردتم أن تطّلعوا علي تعابيرهم وتصريحاتهم بأنّ الأصل في الإستثناء هو الإتّصال لا الانقطاع، فراجعوا كتاب المطوّل، هذا الكتاب الموجود بأيدينا، الذي ندرسه وندرّسه في الحوزة العلميّة .[49]


وأيضاً يمكنكم مراجعة كتاب كشف الأسرار في شرح أُصول البزدوي[50] للشيخ عبد العزيز البخاري الذي هو من مصادرهم الأُصولية .
كما بإمكانكم مراجعة كتاب مختصر الأُصول لابن الحاجب[51] أيضاً، وهو ينصّ علي هذا .
بل لو راجعتم شروح الحديث، لوجدتم الشرّاح من المحدّثين أيضاً ينصّون علي كون الإستثناء هذا متّصلاً لا منقطعاً، فراجعوا عبارة القسطلاني في إرشاد الساري،[52] وراجعوا أيضاً فيض القدير في شرح الجامع الصغير .
إذن، سقطت المناقشة الأُولي، وتمّت دلالة الحديث علي العموم أي عموم المنزلة، وهذه البحوث بحوث تخصصيّة، أرجو الالتفات إليها وتذكّر ما درستموه من القواعد العلمية المفيدة في مثل هذه المسائل .



الجواب عن المناقشة الثانية :
والمناقشة الثانية كان ملخصها : إنّ الإستخلاف هذا كان
في قضية معيّنة، وفي حياة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، كما أنّ استخلاف هارون كان في حياة موسي، وقد مات هارون قبل موسي، إذن لا دلالة علي الإمامة والخلافة بالمعني المتنازع فيه .
هذا الإشكال الذي طرحه كثيرون منهم، من ابن حجر العسقلاني، ومن القسطلاني، ومن القاري، ومن غيرهم من كبار المحدّثين، وأيضاً من المتكلّمين، لو راجعتم إلي كتبهم لوجدتم هذا الإشكال وهذه المناقشة .

مع ابن تيمية :
بل لو رجعتم إلي منهاج السنّة لوجدتم عبارات ابن تيميّة
مشحونة بالبغض والعداء والتنقيص والطعن في علي (عليه السلام)، لأقرأ لكم بعض عباراته يقول :
كان النبي كلّما سافر في غزوة أو عمرة أو حجّ يستخلف علي المدينة بعض الصحابة، حتّي أنّهم ذكروا استخلاف رسول الله ابن أُم مكتوم في بعض الموارد، ولا يدّعي لابن أُم مكتوم مقام لاستخلاف النبي إيّاه في تلك الفترة .

59
يقول ابن تيميّة : فلمّا كان في غزوة تبوك، لم يأذن في التخلّف عنها وهي آخر مغازيه، ولم يجتمع معه الناس كما اجتمعوا معه فيها ، أي في المغازي الأُخري، فلم يتخلّف عنه إلاّ النساء والصّبيان أو من هو معذور لعجزه عن الخروج أو من هو منافق، ولم يكن في المدينة رجال من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم، كما كان يستخلف عليهم في كلّ مرّة، الباقون عجزة وأطفال وصبيان ونسوان، هؤلاء الباقون في المدينة لم يكن حاجة أنْ يستخلف عليهم رسول الله رجلاً مهمّاً وشخصيّةً من شخصيّاته الملتفّين حوله، بل كان هذا الإستخلاف أضعف من الإستخلافات المعتادة منه (صلي الله عليه وسلم)، أي استخلاف علي في تبوك كان أضعف من استخلاف ابن أُم مكتوم في بعض الموارد التي خرج من المدينة المنوّرة فيها .
يقول : لأنّه لم يبق في المدينة رجال كثيرون من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم، فكان كلّ استخلاف قبل هذه يكون علي أفضل ممّن استخلف عليه عليّاً، فلهذا خرج إليه علي يبكي ويقول : أتخلّفني مع النساء والصبيان ؟ فبيّن له النبي أنّي إنّما استخلفتك لأمانتك عندي، وأنّ الإستخلاف ليس بنقص ولا غضّ، فإنّ موسي استخلف هارون علي قومه، والملوك وغيرهم إذا خرجوا

60

في مغازيهم أخذوا معهم من يعظم انتفاعه به ومعاونته له، ويحتاجون إلي مشاورته والإنتفاع برأيه ولسانه ويده وسيفه، فلم يكن رسول الله محتاجاً إلي علي في هذه الغزوة، حتّي يشاوره أو أن يستفيد من يده ولسانه وسيفه، فأخذ معه غيره، لأنّهم كانوا ينفعونه في هذه القضايا .
يقول : وتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دلّ عليه السياق، ولا يقتضي المساواة في كلّ شيء، ألا تري إلي ما ثبت بالصحيحين من قول النبي في حديث الأُساري لمّا استشار أبا بكر فأشار بالفداء، واستشار عمر فأشار بالقتل، قال : سأُخبركم عن صاحبيكم، مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم، ومثلك يا عمر مثل نوح، فقوله (صلي الله عليه وسلم) لهذا مثلك مثل إبراهيم وعيسي، وقوله لهذا مثلك مثل نوح وموسي أعظم من قوله : أنت منّي بمنزلة هارون من موسي .
هذا كلام ابن تيميّة، أي : قطعة من كلامه، وإنّا لنسأل الله سبحانه وتعالي أنْ يعامل هذا الرجل بعدله، وأن يجازيه بكلّ كلمة ما يستحقّه .


61
وهنا ملاحظات مختصرة علي هذا الكلام :
أوّلاً : إذا لم يكن لعلي في هذا الإستخلاف فضل ومقام، وكان هذا الإستخلاف أضعف من استخلاف غيره من الإستخلافات السابقة، فلماذا تمنّي عمر أنْ يكون هذا الإستخلاف له ؟ ولماذا تمنّي سعد بن أبي وقّاص أن يكون هذا الإستخلاف له ؟
ثانياً : قوله : إنّ عليّاً خرج يبكي، هذا كذب، علي خرج يبكي لعدم حضوره في تلك الغزوة، ولما سمعه من المنافقين، لا لأنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) خلّفه في النساء والصبيان .
وبعبارة أُخري : قول علي لرسول الله : أتخلّفني في النساء والصبيان، كان هذا القول قبل خروج رسول الله في الغزوة، قبل أنْ يخرج، وبكاء علي وخروجه خلف رسول الله والتقاؤه به وهو يبكي، كان بعد خروج رسول الله وإنّما خرج وكان يبكي لما سمعه من المنافقين، لا لأنّ هذا الإستخلاف كان ضعيفاً، فالقول بأنّه لمّا استخلف مع النساء والصبيان جعل يبكي ويعترض علي رسول الله هذا الإستخلاف، افتراء عليه .
وثالثاً : ذكره الحديث الذي شبّه فيه رسول الله أبا بكر بإبراهيم، وشبّه فيه عمر بنوح، وقوله : هذا الحديث في الصحيحين، هذا كذب، فليس هذا الحديث في الصحيحين، ودونكم كتاب البخاري ومسلم، ويشهد بذلك كتاب منهاج السنّة، هذه الطبعة الجديدة المحقّقة التي حقّقها الدكتور محمّد رشاد سالم، المطبوعة

62
في السعوديّة في تسعة أجزاء، راجعوا عبارته هنا، واستشهاد ابن تيميّة بهذا الحديث ونسبة الحديث إلي الصحيحين، يقول محقّقه في الهامش : إنّ هذا الحديث إنّما هو في مسند أحمد، ويقول محقّقه أي محقّق المسند الشيخ أحمد شاكر في الطبعة الجديدة : هذا الحديث ضعيف .
وهو أيضاً في مناقب الصحابة لأحمد بن حنبل، المطبوع في جزئين في السعودية أخيراً، فراجعوا لتروا المحقق يقول في الهامش : إنّ سنده ضعيف .
فالحديث ليس في الصحيحين، ليعارض به حديث المنزلة الموجود في الصحيحين، وإنّما هو في بعض الكتب، وينصّ المحققون في تعاليقهم علي تلك الكتب بضعف هذا الحديث . وكأنّ ابن تيميّة ما كان يظنّ أن ناظراً ينظر في كتابه، وأنّه سيراجع
الصحيحين، ليظهر كذبه ويتبيّن دجله .
وأمّا ما في كلامه من الطعن لأمير المؤمنين، فكما ذكرنا، نحيل الأمر إلي الله سبحانه وتعالي، وهو أحكم الحاكمين .

مع الأعور الواسطي :
ومثل كلمات ابن تيميّة كلمات الأعور الواسطي، هناك
عندهم يوسف الأعور الواسطي، له رسالة في الرد علي

63
الشيعة، يقول هذا الرجل : لو سلّمنا دلالة حديث المنزلة علي الخلافة، فقد كان في خلافة هارون عن موسي فتنة وفساد وارتداد المؤمنين وعبادتهم العجل، وكذلك خلافة علي، لم يكن فيها إلاّ الفساد، لم يكن فيها إلاّ الفتنة، ولم يكن فيها إلاّ قتل للمسلمين في وقعة الجمل وصفين .
وهذا كلام هذا الناصبي الخبيث .
وبعدُ، إذا لم يكن لاستخلاف أمير المؤمنين (عليه السلام)في تبوك قيمة ، ولم يكن له هذا الإستخلاف مقاماً، بل كان هذا الإستخلاف أضعف من استخلاف مثل ابن أُم مكتوم، فلماذا هذا الإهتمام بهذا الحديث بنقل طرقه وأسانيده، وبالتحقيق في رجاله، وبالبحث في دلالاته ومداليله ؟
إذا كان شيئاً تافهاً لا يستحق البحث، وكان أضعف من أضعف الإستخلافات، فلماذا هذه الإهتمامات ؟
ولماذا قول عمر : لو كان لي واحدة منهنّ كان أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس ؟
وقول سعد : والله لأنْ تكون لي إحدي خلاله الثلاث أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ؟
ولماذا استشهاد معاوية بهذا الحديث أمام ذلك الرجل الذي سأله مسألةً، وكان معاوية بصدد بيان مقام علي وفضله ؟


64
ولماذا كلّ هذا السعي لإبطال هذا الحديث وردّه ؟
ألم يقل الفضل ابن روزبهان الذي هو الآخر من الرادّين علي الإماميّة واستدلالاتهم بالأحاديث النبويّة ما نصّه : يثبت به أي بحديث المنزلة لأمير المؤمنين فضيلة الأُخوّة والمؤازرة لرسول الله في تبليغ الرسالة وغيرهما من الفضائل .
وهكذا تسقط المناقشة الثانية .

الجواب عن المناقشة الثالثة :
والمناقشة الثالثة كانت دعوي اختصاص حديث المنزلة
بغزوة تبوك .
نعم لو كان الحديث مختصّاً بغزوة تبوك، ولو سلّمنا بأنّ سبب الورود وشأن النزول مخصّص، لكان لهذا الإشكال ولهذه المناقشة وجه .
ولكن حديث المنزلة كحديث الثقلين وكحديث الغدير كرّره رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في مواطن كثيرة، وهذه كتب القوم موجودة بين أيدينا، والباحث الحرّ المنصف يمكنه العثور علي تلك الروايات، وتلك المواطن الكثيرة التي ذكر فيها رسول الله هذا الحديث .

65
مواطن ورود حديث المنزلة :
وأنا أذكر لكم بعض تلك المواطن ومصادر ورود حديث
المنزلة فيها، وأُحاول أن أختصر :
المورد الأول : قصة المؤاخاة
قال ابن أبي أوفي : لمّا آخي النبي (صلي الله عليه وسلم) بين أصحابه، وآخي
بين أبي بكر وعمر، قال علي : يا رسول الله ذهب روحي، وانقطع ظهري، حين رأيتك فعلت ما فعلت بأصحابك غيري، فإن كان هذا من سخط عَلَيّ فلك العتبي والكرامة، فقال رسول الله : « والذي بعثني بالحقّ، ما أخّرتك إلاّ لنفسي، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسي غير أنّه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي »، قال : ما أرث منك يا رسول الله ؟ قال : « ما ورّث الأنبياء من قبلي »، قال : ما ورّث الأنبياء من قبلك ؟ قال : « كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم »، وأنت معي في قصري في الجنّة، مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي »، ثمّ تلا رسول الله قوله تعالي : ( إخْوَاناً عَلَي سُرُر مُتَقَابِلِينَ ) .
ذكر هذا الحديث الحافظ جلال الدين السيوطي في الدر المنثور في تفسير قوله تعالي : ( اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ )،[53] ولاحظوا المناسبة بين هذا الحديث وبين الآية : ( اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ).

66
يروي السيوطي في الدر المنثور هذا الحديث : عن البغوي، والباوردي، وابن قانع، والطبراني، وابن عساكر .[54]
وهوأيضاً :في مناقب علي لأحمد،[55] وفي الرياض النضرة في مناقب العشرةالمبشرة،[56] وفي كنز العمال أيضاًعن مناقب علي .[57]
المورد الثاني : في حديث الدار ويوم الإنذار
ففي رواية أبي إسحاق الثعلبي في تفسيره الكبير ذكر هذا
اللفظ : « فأيّكم يقوم فيبايعني علي أنّه أخي ووزيري ووصيّي ويكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبي بعدي ؟ » .[58]


67

المورد الثالث : في خطبة غدير خم وقد تقدم في بحث حديث الغدير .
المورد الرابع : في قضية سد الأبواب
وقد أشرنا إليه، وفي رواية هناك يقول رسول الله (صلي الله عليه وسلم) : «
وإنّ عليّاً منّي بمنزلة هارون من موسي »، هذه الرواية رواها الفقيه ابن المغازلي في مناقب أمير المؤمنين .[59]
المورد الخامس :
هو المورد الذي قرأناه عن عمر بن الخطّاب عن مصادر كثيرة قال عمر : كفّوا عن ذكر علي ... إلي آخره .
المورد السادس : في قضية ابنة حمزة سيّد الشهداء
وذلك لمّا أتت من مكة، وقدمت المدينة المنورة، تخاصم فيها علي وجعفر وزيد، في هذه القضية تحاكموا إلي رسول الله


68
، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي : « أمّا أنت يا علي، فأنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ النبوّة » .
روي هذا الخبر ابن عساكر في تاريخ دمشق،[60] والخبر موجود : في مسند أحمد،[61] وفي سنن البيهقي،[62] وغيرهما من المصادر، لكن بدل حديث المنزلة : « أنت منّي وأنا منك » .
المورد السابع : في حديث عن جابر
قال : جاء رسول الله (صلي الله عليه وسلم) ونحن مضطجعون في المسجد قال
رسول الله : « أترقدون بالمسجد ! إنّه لا يرقد فيه »، فحينئذ خاطب عليّاً وكان علي فيهم قال : « تعال يا علي، إنّه يحلّ لك في المسجد ما يحلّ لي، أما ترضي أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ النبوّة » .
وهذا أيضاً في تاريخ دمشق .[63]


69

المورد الثامن :
« يا أُم سلمة، إنّ عليّاً لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو
منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبي بعدي » وهذا الحديث أيضاً في تاريخ دمشق .[64]
وهناك موارد أكثر، وأنا تتبعت تلك الموارد وسجّلتها، ولكن أكتفي بهذا المقدار لغرض الإختصار .
فاندفعت المناقشات كلّها، وتمّت دلالة حديث المنزلة علي خلافة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام .

خلاصة دلالة حديث المنزلة علي الخلافة
وتتلخص وجوه الدلالة علي الخلافة، أي علي كون
الحديث نصّاً في الإمامة، تتلخص في :
أوّلاً : تمنّيات بعض أكابر الأصحاب .
ثانياً : تكرار النبي هذا الحديث .
ثالثاً : القرائن الداخلية في هذا الحديث وفي ألفاظه المختلفة ، وأقرأ لكم عدّةً من تلك القرائن :



70
منها قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) في هذا الحديث في حديث المنزلة : « لابدّ أنْ أُقيم أو تقيم »، ممّا يدلّ علي أنّه لا يمكن أن ينوب أحد مناب رسول الله في أمر من الأُمور غير علي، ولهذا نظائر كثيرة، منها إبلاغ سورة براءة إلي أهل مكة .
ومن القرائن الداخلية أيضاً : قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) : « خلّفتك أنْ تكون خليفتي » .
وهذا أيضاً قد تقدّم .
ومنها : قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): «أنت منّي بمنزلةهارون من موسي إليآخره فإنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك»
أخرجه الحاكم في المستدرك قال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
ومن القرائن أيضاً : قوله لعلي : « لك من الأجر مثل مالي ومالك من المغنم مثلما لي » .
رواه صاحب الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشّرة.[65]
وفي حديث أيضاً من أحاديث المنزلة يقول رسول الله : « إنّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي » .


71

وهذا الحديث صحيح قطعاً، وهو موجود : في مسند أحمد،[66] وفي مسند أبي يعلي، وفي المستدرك،[67] وفي تاريخ دمشق،[68] وفي تاريخ ابن كثير،[69] وفي الإصابة لابن حجر،[70] وغيرها من المصادر .
ومن القرائن قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) : « أنت خليفتي في كلّ مؤمن بعدي أنت منّي بمنزلة هارون من موسي وأنت خليفتي في كلّ مؤمن بعدي » .
وهو أيضاً بسند صحيح في خصائص علي للنسائي[71] وأمّا القرائن الخارجية فما أكثرها .

72

وإلي الآن انتهينا من البحث عن حديث المنزلة سنداً ودلالة، وظهر : إنّ حديث المنزلة نصّ في خلافة رسول الله .
ومن يسعي وراء حمل الإمامة والخلافة بعد رسول الله علي أن يكون في المرتبة الرابعة، عليه أنْ يثبت حقيّة خلافة المشايخ بالأدلة القطعية، حتّي يحمل الحديث علي المرتبة الرابعة المتأخّرة عن عثمان، وإلاّ فلا يتمّ هذا الحمل .
وإنّه يدلّ هذا الحديث أيضاً علي عصمة أمير المؤمنين .
ويدلّ أيضاً علي أفضليّة أمير المؤمنين من جهة الأعلميّة وغيرها .

قصة أروي مع معاوية
والآن يعجبني أنْ أقرأ عليكم هذا الخبر، وإن طال بنا
المجلس :
دخلت أروي بنت الحارث بن عبد المطّلب بن هاشم علي معاوية، وهي عجوز كبيرة، فقال لها معاوية : مرحباً بك يا خالة، كيف أنت ؟

73

فقالت : بخير يابن أُختي، لقد كفرت النعمة، وأسأت لابن عمّك الصحبة، وتسمّيت بغير اسمك، وأخذت غير حقّك، وكنّا أهل البيت أعظم الناس في هذا الدين بلاءاً، حتّي قبض الله نبيّه مشكوراً سعيه، مرفوعاً منزلته، فوثبت علينا بعده بنو تيم وعدي وأُميّة، فابتزّونا حقّنا، ولّيتم علينا تحتجّون بقرابتكم من رسول الله، ونحن أقرب إليه منكم وأولي بهذا الأمر، وكنّا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون، وكان علي بن أبي طالب بعد نبيّنا بمنزلة هارون من موسي .
فقال لها عمرو بن العاص : كفّي أيّتها العجوز الضالّة، وقصّري عن قولك مع ذهاب عقلك .
فقالت : وأنت يابن النابغة، تتكلّم وأُمّك كانت أشهر بغيّة بمكّة ، وأرخصهنّ أُجرة، وادّعاك خمسة من قريش، فسألتْ أُمّك عنهم فقالت : كلّهم أتاني، فانظروا أشبههم به فألحقوه به، فغلب عليك شبه العاص بن وائل، فألحقوك به .
فقال مروان : كفّي أيّتها العجوز، واقصري لما جئتي له .
قالت : وأنت أيضاً يابن الزرقاء تتكلّم .
ثمّ التفتت إلي معاوية فقالت : والله ما جرّأهم عَلَيّ هؤلاء غيرك ، فإنّ أُمّك القائلة في قتل حمزة :

74

نحن جزيناكُم بيومِ بدرِ
والحربُ بعد الحربِ ذات سعرِ

ما كان لي في عُتبة من صبرِ
وشكرُ وحشي عَلَيّ دهري


حتّي ترمّ أعظمي في قبري


فأجابتها بنت عمّي وهي تقول :



خزيتِ في بدر وبعدَ بدرِ
يابنة جبّار عظيمِ الكفرِ



فقال معاوية : عفي الله عمّا سلف يا خالة، هات حاجتك .
فقالت : مالي إليك حاجة، وخرجت عنه .
وفي رواية : قالت : أُريد ألفي دينار لأشتري بها عيناً
فوّارة في أرض خرّارة، تكون لفقراء بني الحارث بن عبد المطّلب، وألفي دينار أُخري أُزوّج بها فقراء بني الحارث، وألفي دينار أُخري أستعين بها علي شدّة الزمان . فأمر لها معاوية بذلك .


75

فأروي هذه ابنة عمّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، استشهدت بحديث المنزلة، واستدلّت علي إمامة أمير المؤمنين بهذا الحديث، وشبّهت عليّاً بهارون، وأيضاً : شبّهت أهل البيت ببني إسرائيل في آل فرعون .
وهذا الخبر تجدونه مع اختلاف في بعض الألفاظ : في العقد الفريد، وفي تاريخ أبي الفداء، وفي روضة المناظر لابن الشحنة الحنفي، الذي هو أيضاً من التواريخ المعتبرة .[72]
وهكذا، فقد تمّت الدلالة وسقطت المناقشات كلّها، والحمد لله .

ثانياً : المناقشات غير العلميّة
وتصل النوبة الآن إلي الطرق الأُخري والأساليب غير
العلمية في ردّ حديث المنزلة، أذكرها باختصار وإنْ طال بنا المجلس، لئلاّ يبقي شيء من البحث إلي الليلة القادمة .



76

الطريق الأول :
الطريق الذي مشوا عليه بعد المناقشات الفاشلة، وهو :
تحريف الحديث، وبعد أنْ عرفوا أن لا جدوي في المكابرة في أسانيد الحديث ودلالاته رأي بعض النواصب أنْ لا مناص من تحريف الحديث، ولكنْ ما أشنع تحريفه وما أقبح صنيعه، إنّه حرّف الحديث تحريفاً لا يصدر من الكفّار .
لاحظوا : في ترجمة حريز بن عثمان من تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وأيضاً في كتاب تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني، يروون عن حريز قوله :
هذا الذي يرويه الناس عن النبي (صلي الله عليه وسلم) أنّه قال لعلي : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسي »، هذا حق، ولكنْ أخطأ السامع، يقول الراوي : قلت : ما هو ؟ قال : إنّما هو : أنت منّي بمنزلة قارون من موسي، قلت : عمّن ترويه ؟ قال : سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله وهو علي المنبر .[73]
فماذا تقولون لهذا الرجل ولرواة هذا الخبر، ولكنّ الأسف كلّ

77

الأسف أن يكون حَريز هذا من رجال البخاري، أن يكون من رجال الصحاح سوي مسلم، كلّهم يعتمدون عليه وينقلون عنه ويصحّحون خبره، وعن أحمد بن حنبل أنّه عندما سئل عن هذا الرجل قال : ثقة ثقة ثقة .
والحال أنّهم يذكرون بترجمة هذا الرجل : إنّه كان يشتم عليّاً، ويتحامل عليه بشدّة، نصّوا علي أنّه كان ناصبيّاً، وأنّه كان يقول : لا أُحبّ عليّاً قَتَل آبائي، كان يقول : لنا إمامنا يعني معاوية ولكم إمامكم يعني عليّاً، وكان يلعن عليّاً بالغداة سبعين مرّة وبالعشيّ سبعين مرّة، وقد نقلوا عنه أشياء أُخري غير هذه الأشياء .
مع ذلك يصحّحون خبره، وأحمد بن حنبل يكرّر توثيقه : ثقة ثقة ثقة ! ويروي عنه البخاري وأصحاب الصحاح عدا مسلم .
ومن هنا يمكن للباحث الحر أنْ يعرف موازين هؤلاء ومعاييرهم في تصحيح الحديث وتوثيق الراوي، وأنّهم كيف يتعاملون مع علي وأهل البيت .

الطريق الثاني :
إنّه عَمَدَ بعضهم إلي وضع حديث المنزلة للشيخين، فروي
عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إنّه قال : أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسي .


78
هذا الحديث يرويه الخطيب البغدادي، وعنه المنّاوي في كتاب كنوز الحقائق من حديث خير الخلائق، وهو كتاب للمنّاوي مطبوع يروي فيه هذا الحديث عن الخطيب البغدادي، والخطيب يرويه بسنده .[74]
إلاّ أن من حسن الحظ أنّ ابن الجوزي يورد هذا الحديث الموضوع لكن لا في الموضوعات، بل في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ويقول : حديث لا يصح .[75]
وأيضاً : يقول الذهبي في كتابه ميزان الإعتدال : هذا حديث منكر .[76]
ويعيد ذكره أيضاً مرّتين ويقول : خبر كذب .[77]



79

وابن حجر العسقلاني أيضاً يكذّب هذا الحديث في لسان الميزان .[78]
وحينئذ لا يبقي مجال لاستناد أحد إلي هذا الحديث الموضوع الذي ينصّون علي ضعفه أو وضعه وكذبه، مع عدم وجوده في شيء من الصحاح والمسانيد والسنن .

الطريق الثالث :
وتبقي الطريقة الأخيرة، وهي ردّ حديث المنزلة وعدم
قبول صحّة هذا الحديث، مع كونه في الصحيحين وغيرهما كما عرفتم .
وهذا الطريق مشي عليه كثير من علمائهم، ممّا يدلّ علي فشلهم في الطرق الأُخري بعد عدم تمكّنهم من إبطال هذا الحديث بمناقشات علمية .
يقول الآمدي وهو أبو الحسن سيف الدين الآمدي : إنّ هذا الحديث غير صحيح .


80
وابن حجر المكي ينقل كلامه في الصواعق المحرقة.[79]
وتجدون الإعتماد أيضاً علي رأي الآمدي هذا في شرح المواقف[80] للشريف الجرجاني .
ويقول القاضي الايجي في الجواب عن حديث المنزلة : إنّه لا يصحّ الاستدلال به من جهة السند .[81]
وهكذا غير هؤلاء الذين ذكرتهم، يردّون هذا الحديث بعدم صحّة سنده، وغير واحد منهم يعتمد علي كلام الآمدي .
لكن الآمدي يذكره الذهبي في ميزان الإعتدال ونصّ عبارته : قد نفي من دمشق لسوء اعتقاده، وصحّ عنه أنّه كان يترك الصلاة.[82]


81

وأقول : إنْ كان ترك الصلاة عيباً مسقطاً للعدالة، وموجباً لسقوط الشخص وكلامه ورأيه في القضايا العلمية، فلماذا يعتمدون عليه وينقلون كلامه ؟
ولكنْ عندي كثيرون من حفّاظ الحديث وكبار أئمّتهم المحدّثين الرواة للسنّة النبويّة، الأُمناء علي الدين، يذكرون بتراجمهم أنّهم كانوا يتركون الصلاة، ولو اتّسع الوقت لذكرت لكم بعضهم، وذكرت بعض عباراتهم في الثناء عليهم وتبجيلهم وتوثيقهم وتعظيمهم، ممّا يدلّ علي أنّ ترك الصلاة التي هي عمود الدين عند المسلمين ليس بطعن في شخص من هؤلاء .

82

خاتمة المطاف


فهذه مناقشاتهم، وهذه محاولاتهم، وهؤلاء علماؤهم
وحفّاظهم، والذين يعتمدون عليهم في عقائدهم، وفي أحكامهم وفروعهم الفقهيّة، ولو أنّ الله سبحانه وتعالي لم يقدّر لهذه الأُمّة خيرة علمائها من هذه الطائفة المظلومة التي أصبح حالها كما قالت أروي بنت الحارث حال بني إسرائيل في آل فرعون لولا هؤلاء، لاندرس الدين وضاعت آثار سيّد المرسلين، ولكن الله سبحانه وتعالي أتمّ الحجة بهؤلاء علي غيرهم، وعلي الباحثين المنصفين الذين يريدون أنْ يعرفوا الحق فيتّبعونه أين ما كان، أنْ يتوصّلوا إلي واقعيات القضايا والأحوال .
وإنّنا نسأل الله تعالي أن يثبّتنا علي هذه العقيدة المستندة إلي الكتاب والسنّة المعتبرة المقبولة عند الكل، وأنْ يوفّقنا لأنْ نؤدّي واجباتنا وتكاليفنا في تبيين الحقائق وتوضيح الأُمور علي ما هي عليه، ونتمكّن من مساعدة أُولئك الذين يريدون الحق، يريدون

83

الوصول إلي الواقع، يريدون الحصول علي حقيقة الأمر، وما فيه رضي الله ورسوله .
وصلّي الله علي محمّد وآله الطاهرين .



84


[15] [17] الخصائص للنسائي : 67 رقم 44 و77 رقم61 .
[18] عيون الأثر 2/294 مكتبة دار التراث المدينة المنوّرة 1413 ه .
[19] زاد المعاد 3/559 م 560 مؤسسة الرسالة بيروت 1408 ه .
[20] سيرة ابن هشام 2 / 519 520 .
[21] المعجم الأوسط 4/484 رقم 4248 .
[22] الجامع الكبير 16/244 رقم 7818 دارالفكر بيروت 1414 ه .
[23] البداية والنهاية المجلد الرابع الجزء 7/340 دار الفكر بيروت .
[24] البداية والنهاية المجلد الرابع الجزء 7/340 .
[25] نظم درر السمطين : 107 .
[26] ترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ دمشق 1/396 رقم 410، الرياض النضرة 3/162 دار الكتب العلمية بيروت، مناقب الإمام علي (عليه السلام) للمغازلي : 34 رقم 52 دار الأضواء بيروت 1403 .
[27] سورة مريم : 53 . 2 سورة طه : 29 .
[28] سورة الفرقان : 35 . 4 سورة القصص : 34 .
[29] سورة الأعراف : 142 .
[30] سورة طه : 31 .
[31] نهج البلاغة 2/182 مطبعة الإستقامة بمصر (محمّد عبده) .
[32] تفسير البغوي 4 / 278، ومصادر أُخري .
[33] السيرة الحلبيّة 1 / 461 .
[34] ترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ دمشق 1/120 121 رقم 147، الدر المنثور 5/566 دارالفكر بيروت 1403 ه، الرياض النضرة 3/118 دار الكتب العلمية بيروت .
[35] سورة الأحزاب : 6 .
[36] سورة القصص : 78 .
[37] تفسير البغوي 4/357 دارالفكر بيروت 1405 ه .
[38] تفسير الجلالين 2/201 نشر مصطفي البابي الحلبي بمصر 1388 ه .
[39] ترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ دمشق 1/296، الدر المنثور 4/383 .
[40] مجمع الزوائد 9/114 .
[41] مجمع الزوائد 9/115، كنز العمال 11/600 رقم 32887 دار إحياء التراث .
[42] فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لأحمد بن حنبل : 72 رقم 109، مسند أحمد 5/496 رقم 18801، مستدرك الحاكم 3/125، مجمع الزوائد 9/114، ترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ دمشق 1/279 280 رقم 324، الرياض النضرة 3/158 .
[43] خصائص النسائي : 59 رقم 38 .
[44] سورة الأعراف : 142 .
[45] شرح النووي لصحيح مسلم المجلد الثامن الجزء 15/174 .
[46] المختصر (بيان المختصر 2) : 111 مركز إحياء التراث الإسلامي مكة المكرمة .
[47] التحفة الاثنا عشرية : 211 .
[48] البداية والنهاية، المجلّد 4 الجزء 7/340 .
[49] المطوّل : 204 224 انشارات داوري قم 1416 ه .
[50] كشف الأسرار 3/178 باب بيان التغير دار الكتب العلمية بيروت 1418 .
[51] المختصر (بيان المختصر2) : 246 .
[52] ارشاد الساري 6/117 118 دار احياء التراث العربي بيروت .
[53] سورة الحج : 75 .
[54] الدر المنثور 6/76 77 .
[55] فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) : 142 رقم 207 .
[56] الرياض النضرة 3/182، قطعة منه .
[57] كنز العمال 9/167 رقم 25554 و13/105 رقم 36345 .
[58] تفسير الثعلبي : مخطوط .
[59] مناقب الإمام علي (عليه السلام) للمغازلي : 255 257 .
[60] ترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ دمشق 1/368 رقم 409 .
[61] مسند أحمد 1/185 رقم 933 .
[62] سنن البيهقي 8/6 .
[63] ترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ دمشق 1/290 رقم 329 .
[64] ترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ دمشق 1/365 رقم 406 .
[65] الرياض النضرة 3/119 .
[66] مسند أحمد 1/545 رقم 3052 .
[67] مستدرك الحاكم 3/133 134 .
[68] ترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ دمشق 1/209 رقم 251 .
[69] البداية والنهاية المجلد 4 الجزء 7/338 .
[70] الإصابة لابن حجر 4/270 دار الكتب العلمية بيروت .
[71] خصائص النسائي : 49 50 .
[72] العقد الفريد 2/119 دار الكتاب العربي بيروت 1403 ه .
تاريخ أبي الفداء 1/188 مكتبة المتنبي القاهرة .
روضة المناظر هامش ابن كثير حوادث سنة : 60 .
[73] تاريخ بغداد 8/268 رقم 4365 دار الكتاب العربي، تهذيب التهذيب 2/209 دارالفكر 1404 ه .
[74] تاريخ بغداد 11/385 رقم 6257، كنوز الحقائق من حديث خير الخلائق ط هامش الجامع الصغير حرف الألف .
[75] العلل المتناهية 1/199 رقم 312 .
[76] ميزان الإعتدال 5/473 رقم 6900 دار الكتب العلمية بيروت 1416 ه .
[77] ميزان الإعتدال 5/207 رقم 6015 .
[78] لسان الميزان 5/9 رقم 5828 دار إحياء التراث العربي بيروت 1416 ه، وفيه أبوبكر فقط .
[79] الصواعق المحرقة : 73 .
[80] شرح المواقف للجرجاني 8/362 الشريف الرضي قم 1412 ه .
[81] المصدر نفسه .
[82] ميزان الإعتدال 3/358 رقم 3652


للتواصل معنا (ql3tsh.gmail.com)